الإصلاح السياسي في المغرب: هل يمكن تجديد الوجوه الحزبية؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في ظل الأزمات السياسية المستمرة والمطالب الشعبية الملحة بالإصلاح، يطرح العديد من المراقبين سؤالًا مهمًا: هل يمكن إصلاح النظام السياسي في المغرب في غياب التغيير الجذري داخل الأحزاب؟ فالنظام السياسي المغربي يعاني من أزمة قيادات تتشبث بالسلطة، مما يعطل أي تقدم حقيقي نحو الديمقراطية، ويعمق الفجوة بين الأحزاب والمواطنين.

تُظهر العديد من التجارب العالمية أن الأحزاب السياسية في الديمقراطيات المستقرة تتداول القيادات بشكل دوري، مما يسمح بتجديد الفكر السياسي ويمنح الفرصة للأجيال الجديدة للمشاركة، ومع ذلك، في المغرب، يبدو أن الزعامات السياسية تتحصن في مواقعها لعدة عقود، مما يخلق بيئة من الجمود السياسي، هذه الظاهرة لا تقتصر على فئة معينة، بل تشمل العديد من الأحزاب التي قد يطلق عليها “مؤسسات حزبية غير ديمقراطية”، حيث يبقى القادة في مناصبهم لعقود دون منافسة حقيقية أو محاسبة.

– الفساد والتواطؤ السياسي

تزايدت الشكوك حول نزاهة العديد من القيادات السياسية، حيث يُتّهم البعض بتورطهم في قضايا فساد أو بتواطؤ لضمان استمرارهم في المقاعد لمدة كبيرة حتى أصبح البعض يوصف بـ ” شيخ ” .

فالفساد لا يقتصر فقط في الجوانب المالية بل يتعداه إلى الفساد الإداري وتشكيل مجموعات داخل الاحزاب او الادارة تتبادل الأدوار وتحمي مصالحها ، حيث يتحكم بعض القادة في عملية اتخاذ القرار بشكل يعزز مصالحهم الشخصية أو الحزبية على حساب المصلحة العامة.

– الانعزال عن القواعد الشعبية

من أبرز علامات الفشل الحزبي في المغرب هو التباعد الواضح بين الأحزاب وقواعدها الشعبية، فقد أصبحت الأحزاب مجرد أدوات انتخابية تهدف إلى جمع الأصوات في الانتخابات العامة، وليس إلى تمثيل حقيقي للمواطنين في الحياة السياسية، كما أن التنافس بين الأحزاب لا يتعدى في كثير من الأحيان لعبةً سياسية هدفها البحث عن مكاسب حزبية ضيقة، بينما تغيب المبادئ الأساسية مثل الشفافية والنزاهة.

– فشل قانون الأحزاب

بالرغم من وجود قوانين تنظيمية تهدف إلى ضبط عمل الأحزاب السياسية، إلا أن هذه القوانين لم تحقق أهدافها المرجوة، فالقانون الحالي الجاري به العمل الان لم يُجبر الأحزاب على الالتزام بمبادئ الشفافية المالية أو ضمان التداول السلمي على القيادة داخل الأحزاب، كما فشل في تحديد العلاقة بين الدعم الحكومي وأداء الأحزاب في تأطير المواطنين، فضلاً عن ذلك، لا تزال هناك العديد من الأحزاب الإدارية التي تُصنع في الكواليس لتجميل المشهد السياسي دون أن تمثل إرادة الشعب.

– هل يمكن إصلاح المنظومة الحزبية؟

إن الإجابة على هذا السؤال لا تكمن في تعديل القوانين فحسب، بل في تغيير العقليات السائدة داخل الأحزاب، فأول خطوة لإصلاح الوضع السياسي في المغرب هي ان تتضمن المدونة الجديدة فرض تغييرات قيادية صارمة تحد من هيمنة الزعامات المتكلسة، من خلال تحديد ولايات قيادية وتطبيق مبدأ التداول على السلطة داخل الأحزاب، يمكن للمغاربة أن يشهدوا بداية تحولات سياسية حقيقية.

كما أن فرض الشفافية المالية، وفتح المجال للمحاسبة السياسية للقيادات الحالية، من شأنه أن يُسهم في إعادة بناء الثقة بين المواطنين والمؤسسات السياسية، من الضروري أيضًا محاربة ظاهرة “الترحال السياسي”، الذي يُعتبر واحدًا من أبرز الأوجه الفاسدة للنظام الحزبي الحالي، وضمان أن كل التغيير السياسي يجب أن يكون ناتجًا عن إرادة حقيقية للمواطنين وليس نتيجة لمساومات سياسية.

– مستقبل الأحزاب في المغرب

في الختام، إذا كان المغرب يأمل في بناء دولة قوية وديمقراطية، يجب أن يمر هذا الإصلاح عبر قلب النظام الحزبي، فاستمرارية نفس الوجوه القديمة في القيادة السياسية لن تثمر عن أي تغيير إيجابي، بل ستساهم في تعميق الأزمة السياسية والاقتصادية التي يعاني منها البلد.

الإصلاح الحقيقي يتطلب قيادات جديدة وأفكارًا مبتكرة تسعى لخدمة الشعب، بعيدًا عن منطق الزعامة المطلقة والخلود في السلطة.

إن إصلاح قانون الأحزاب لا يعني مجرد تعديل فني للقوانين، بل هو ثورة حقيقية في كيفية إدارة الحياة السياسية في البلاد، إذا لم يتم وضع أسس ديمقراطية حقيقية، فسيبقى النظام السياسي أسير الفساد والمساومات الضيقة، مما يؤدي إلى تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية والحزبية، وبالتالي يظل المواطنون في دائرة الفشل والخيبة السياسية.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى