العدالة والتنمية يناور انتخابيا.. إصلاح للمدونة أم بحث عن التموقع؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في خطوة وصفها البعض بأنها تصحيحية، واعتبرها آخرون مجرد محاولة للعودة إلى المشهد السياسي بقوة بعد مرحلة من التراجع، كشف حزب العدالة والتنمية عن مذكرته المتعلقة بإصلاح القانون الانتخابي استعدادًا لانتخابات 2026، هذه المذكرة، التي أودعت رسميًا لدى وزارة الداخلية، أعادت النقاش العمومي إلى نقطة مركزية طالما كانت موضوع تجاذب بالوسط الحزبي منها القاسم الانتخابي، وشروط الترشح، وتمثيلية الفئات المهمشة.

– بين طموح الإصلاح وشكوك التوقيت

تأتي هذه المبادرة في وقت حساس، يتسم بفتور سياسي عام وتراجع ملحوظ في ثقة المواطنين بالأحزاب، ويبدو أن الحزب، الذي عاش انتكاسة انتخابية قوية سنة 2021، يسعى اليوم إلى ترميم قواعد اللعبة الديمقراطية من مدخل قانوني وتقني، محاولًا بذلك التوفيق بين مطلب التعددية السياسية وفعالية الأداء البرلماني.

لكن التوقيت نفسه يثير تساؤلات: هل ما يُطرح اليوم هو لإصلاح المنظومة أم لإعادة تهيئتها بما يتيح عودة الحزب إلى واجهة التمثيل السياسي؟.

– مقترحات تقنية في مظهرها، سياسية في جوهرها

أبرز ما شدّ الانتباه في مذكرة حزب “البيجيدي” ، هو التركيز على إصلاح القاسم الانتخابي، حيث دعا الحزب إلى العودة لاحتسابه بناء على الأصوات الصحيحة المعبر عنها، بدلًا من قاعدة عدد المسجلين، المعتمدة في انتخابات 2021، ويعتبر الحزب أن هذه القاعدة “غير ديمقراطية وتُضعف الإرادة الشعبية”.

هذا المقترح يعيد النقاش إلى واحدة من أعقد إشكاليات النظام الانتخابي المغربي، والمتمثلة في التوازن بين العدالة التمثيلية والاستقرار الحكومي.

ففي الوقت الذي ترى فيه قوى سياسية أن قاعدة “عدد المسجلين” أفرزت مشهدًا أكثر توازنًا، يعتبرها “البيجيدي” سببًا مباشرًا في تشتيت الأصوات وغياب الكتل النيابية القوية.

– حماية نزاهة الاقتراع… على الورق

شدد الحزب كذلك على ضرورة التصدي لما وصفه بـ”الفساد الانتخابي” من خلال منع ترشيح الفاسدين، وتوسيع الإشراف القضائي، وتجريم شراء الأصوات، ودعا إلى توقيع ميثاق شرف بين الأحزاب يلتزم بعدم تزكية المرشحين المتورطين في قضايا فساد أو استغلال النفوذ.

ورغم وجاهة هذا الطرح من حيث المبدأ، إلا أن تطبيقه يظل رهينًا بإرادة سياسية جامعة، وتوافر مؤسسات رقابية مستقلة، قادرة على فرض سيادة القانون خلال المسار الانتخابي، قبل وبعد العملية.

– تمثيلية الشباب ومغاربة العالم: مقترح طموح أم شعارات استهلاكية؟

في الجانب المتعلق بتمثيلية الفئات، تقترح المذكرة استحداث لائحة وطنية ثلاثية تتضمن النساء، الشباب دون الأربعين، ومغاربة العالم، وهو مقترح طموح يهدف إلى تجديد النخب وضمان تمثيل أكثر عدالة.

لكن في ظل تعقيد توزيع الدوائر وعدد المقاعد المحدود في البرلمان، يطرح هذا التوجه إشكالية تضخم التمثيلية على حساب الفعالية، خصوصًا إذا لم يُرفق هذا التوسيع بإصلاحات موازية تعزز من أدوار البرلمان التشريعية والرقابية.

– البعد السياسي الغائب

ورغم ثراء المذكرة تقنيًا، إلا أنها ظلت حذرة في مقاربة الجوانب السياسية الأوسع، مثل علاقة الدولة بالأحزاب، وضعية الإعلام العمومي، وحرية التعبير خلال الحملات الانتخابية. وهي عناصر لا تقل أهمية عن الجوانب القانونية في تعزيز الثقة بالعملية الانتخابية.

من هنا يظهر أن حزب ” المصباح ” ، رغم دعوته إلى “نقاش عمومي مفتوح”، لا يزال مترددًا في الذهاب إلى أبعد من إصلاح الأدوات التقنية، دون طرح سؤال الحياد المؤسسي للدولة في الانتخابات.

– هل من استجابة حزبية شاملة؟

السؤال الأبرز الآن هو: كيف ستتفاعل باقي الأحزاب مع مذكرة “البيجيدي”؟
هل ستُفتح طاولة نقاش سياسي جاد حول إصلاح المنظومة؟ أم أن الاقتراحات ستُقرأ كجزء من حملة استباقية من حزب يسعى لاستعادة مواقعه السابقة؟.

في الحالتين، فإن ما قدمه الحزب يُعيد جزءًا من الحيوية للنقاش الانتخابي، لكنه يبقى خطوة ناقصة إن لم تتحول إلى دينامية وطنية تشمل كل الفاعلين، بما فيهم الدولة، الأحزاب، المجتمع المدني، والإعلام.

وتبدو مذكرة حزب العدالة والتنمية في مجملها محاولة جدية لتقويم أعطاب المنظومة الانتخابية، لكنها تظل، في غياب حوار وطني شامل، مجرد عرض حزبي، ما يحتاجه المغرب ليس فقط تحسين الشروط القانونية للانتخابات، بل إعادة بناء الثقة في السياسة، وهذا لن يتحقق إلا بإصلاح أوسع يتجاوز النصوص إلى الممارسات، ويشمل الجميع.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى