صراع قيادات العسكر في الجزائر.. الأزمة السياسية تهدد استقرار الدولة الهشة

هبة بريس ـ الدار البيضاء 

في الآونة الأخيرة، تعيش الجزائر حالة من الاضطراب السياسي غير المسبوق، تجسدت في قرارات مفاجئة وتغييرات متكررة في هرم السلطة، ما يعكس حالة اللااستقرار العميقة التي تعصف بالمشهد السياسي الجزائري.

آخر هذه التطورات كان القرار الرئاسي الذي أنهى مهام الوزير الأول نذير العرباوي، ليعين سيفي غريب، وزير الصناعة، وزيرا أول بالنيابة.

هذا التغيير المفاجئ يعكس حجم الصراع الداخلي وتضارب المصالح داخل دوائر الحكم، خصوصا بين الرئاسة ومراكز القوى داخل المؤسسة العسكرية التي لا تزال تمسك بمفاصل القرار في البلاد.

الأزمة الحالية في الجزائر ليست وليدة اليوم، بل هي امتداد لصراع مستمر بين الأجنحة المختلفة داخل النظام الجزائري، وبالأخص بين شنقريحة الرئيس الفعلي للجزائر وبعض القيادات العسكرية النافذة.

هذا الصراع برز بشكل جلي في شكل تغييرات متتالية على مستوى المناصب العليا ومحاولات كل طرف فرض سيطرته على مراكز القرار.

الجنرالات، الذين كانوا ولا يزالون العمود الفقري للنظام السياسي الجزائري، يسعون للحفاظ على نفوذهم في مواجهة أي محاولة لتقليص سلطاتهم، في حين يحاول شنقريحة من خلال عبد المجيد تبون تعزيز موقعه من خلال تغييرات محسوبة داخل الحكومة.

هذه التجاذبات ألقت بظلالها على أداء الحكومة الجزائرية، التي أصبحت عاجزة عن صياغة سياسات واضحة ومستقرة بسبب الضغوط المتبادلة بين الحلفاء المتصارعين.

غياب الانسجام داخل السلطة التنفيذية أدى إلى تفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها البلاد، وهو ما زاد من فقدان الثقة لدى الشارع الجزائري في الطبقة الحاكمة.

القرارات الأخيرة تكشف أن الدولة الجزائرية باتت تسير بمنطق ردود الفعل لا بمنطق التخطيط الاستراتيجي، وهو ما ينذر بمزيد من التوتر في المرحلة المقبلة.

الأخطر من ذلك أن هذا التخبط الداخلي دفع السلطة الجزائرية إلى اللجوء إلى أساليب تقليدية للهروب من الأزمات، أبرزها استغلال ملفات خارجية لإلهاء الرأي العام.

الخطاب الرسمي لا يزال يركز على شماعة “العدو الأجنبي” والمؤامرات الخارجية، إضافة إلى الاستنجاد كل مرة بملف الصحراء، في محاولة لاستنهاض المشاعر القومية وإعادة توحيد الصفوف خلف السلطة.

هذه الاستراتيجية باتت مكشوفة للجزائريين الذين يرون أن مشاكلهم الحقيقية تكمن في الفساد، غياب الشفافية، وانعدام رؤية اقتصادية واضحة، و تحكم العسكر في الحياة المدنية.

إلى جانب ذلك، يستمر النظام في افتعال أزمات دبلوماسية مع بعض الدول المجاورة أو القوى الأجنبية، في إطار سياسة التصعيد التي تهدف إلى صرف الأنظار عن الصراعات الداخلية، إلا أن هذه السياسات لم تعد تقنع الشارع الجزائري الذي أصبح أكثر وعيا بحقيقة الحكم في بلاده.

الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها الجزائر في السنوات الأخيرة كانت مؤشرا على عمق الشرخ بين السلطة والشعب، وما يجري اليوم يؤكد أن جذور الأزمة لا تزال قائمة، بل تتفاقم مع كل أزمة سياسية جديدة.

في المحصلة، الأزمة التي تعيشها الجزائر اليوم ليست سوى نتيجة حتمية لسيطرة العسكر على القرار السياسي منذ عقود، في ظل غياب مؤسسات ديمقراطية حقيقية وآليات لمحاسبة الفاسدين.

استمرار الصراع بين أجنحة النظام لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام الداخلي وتآكل شرعية السلطة، وإذا لم يتم فتح المجال أمام إصلاحات سياسية عميقة تعيد التوازن بين المؤسسات وتضمن انتقالا ديمقراطيا سلسا، فإن البلاد مهددة بالدخول في دوامة أزمات متلاحقة ستكون لها تداعيات خطيرة على استقرار الجزائر ومستقبلها السياسي.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى