الرميد وابتسام لشكر.. مع من تفاعلت النيابة العامة لتحريك المتابعة؟

هبة بريس – عبد اللطيف بركة

في خطوة مثيرة للجدل، خرج وزير العدل السابق مصطفى الرميد بتدوينة على صفحته الرسمية، استنكر فيها ما نشرته الناشطة ابتسام لشكر، التي اعتبرها إساءة متعمدة للذات الإلهية، داعيًا النيابة العامة إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضدها، و مباشرة بعد هذه التدوينة، أصدرت النيابة العامة بلاغًا تُعلن فيه عن تحريك المتابعة ضد لشكر.

وقد أثارت مستجدات هذه القضية، من تفاعل واستنكار لتصرف لشكر، إلى تدوينة الوزير السابق الرميد، ثم تحريك المتابعة من طرف النيابة العامة، العديد من الأسئلة، من أبرزها ما هو دور الأجهزة القضائية في مراقبة ما يُنشر على الإنترنت؟ وهل يجب على السلطات التدخل بشكل استباقي لمتابعة المنشورات المسيئة، أم أن الوضع الحالي، الذي يعتمد على استنكار المواطنين أو المسؤولين، هو الأنسب في عصر حرية التعبير الرقمية؟

– هل كان تحرك النيابة العامة نتيجة لتدوينة الرميد؟

في البداية، يطرح تساؤل مهم: هل كان تدخل النيابة العامة في قضية لشكر محكومًا بتدوينة مصطفى الرميد فقط، أم أن النيابة كانت بالفعل بصدد دراسة القضية بناءً على المعطيات المتوفرة لها على مواقع التواصل الاجتماعي؟
من المعلوم أن النيابة العامة في المغرب تتحرك استنادًا إلى الوقائع التي يتم الإبلاغ عنها، سواء من قبل المواطنين أو من خلال وسائل الإعلام، دون الحاجة إلى تفاعل مباشر من المسؤولين. لكن تحرك النيابة السريع بعد تدوينة الرميد يثير تساؤلات حول العلاقة بين الخطابات السياسية والمراقبة القضائية في الفضاء الرقمي. هل تراقب النيابة العامة محتوى الإنترنت بشكل استباقي؟.

من جهة أخرى، يتساءل البعض: هل من الطبيعي أن تنتظر النيابة العامة حتى يتم إثارة الموضوع بشكل جماهيري على الإنترنت قبل أن تتدخل؟ فقد أصبح العالم الافتراضي ساحة نشر غير محدودة، وبعض المنشورات قد تسيء إلى الأفراد أو المقدسات بشكل يهدد الاستقرار الاجتماعي، من هنا، تبرز الحاجة إلى فريق متخصص داخل النيابة العامة لمتابعة هذه القضايا بشكل استباقي، دون الحاجة إلى الانتظار لحملات الاستنكار من المواطنين أو المسؤولين.

في هذا السياق، هل من الأفضل أن تتدخل النيابة العامة بشكل مباشر عندما يتم نشر محتوى يمكن أن يضر بالمقدسات أو بالأخلاق العامة، سواء كان هذا المحتوى محل جدل شعبي أم لا؟.

– تجربة مصر: هل يمكن أن تصبح نموذجًا؟

في السنوات الأخيرة، شهدت العديد من الدول، مثل مصر، تحركات قوية لمراقبة ما ينشره المواطنون على الإنترنت، خاصة في ما يتعلق بالإساءات الدينية أو الاجتماعية. المدعي العام المصري شن حملة على العديد من المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تم اتخاذ إجراءات قانونية ضد من نشروا محتوى “مسيئًا” للمقدسات أو للأخلاق العامة.
هل يمكن للمغرب أن يتبع نفس النموذج؟ وما هي المخاطر التي قد تترتب على تشديد الرقابة على الإنترنت؟ هل سيتعارض هذا مع حرية التعبير التي يكفلها الدستور المغربي، أم أن هناك مساحة قانونية تسمح بموازنة هذه الحريات مع الحفاظ على النظام العام؟

الجدير بالذكر أن قضية لشكر لم تكن الأولى من نوعها التي تثير الجدل حول حدود حرية التعبير على الإنترنت في المغرب. ففي أكثر من مناسبة، تم نشر محتوى على منصات التواصل الاجتماعي يعتبره البعض مسيئًا للمقدسات أو للأشخاص، لكن في غالبية الأحيان تتفاعل النيابة العامة معها بعد ترويجها عبر الفضاء الأزرق وردود الفعل بخصوصها. البعض يعتبر أن دور النيابة العامة يجب أن يكون استباقيًا في تحريك متابعة المنشورات المضللة أو المسيئة.

– الحاجة إلى توازن بين الحرية والقيم المجتمعية

الحرية الرقمية هي حق أساسي في عصرنا الحديث، ولكنها يجب أن تُقيّد في أمور قد تضر بحقوق الأفراد أو الجماعات. على الرغم من أن الدستور المغربي يضمن حرية التعبير، إلا أن هذه الحرية لا يجب أن تتجاوز حدود الإساءة للأديان والمعتقدات والأشخاص. لقد أظهرت الواقعة الأخيرة مع ابتسام لشكر أن هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في كيفية تعامل المغرب مع الإساءة للمقدسات عبر الإنترنت.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه البعض على أهمية الحفاظ على حرية الرأي والتعبير، يطالب آخرون بوضع آليات تشريعية أكثر فاعلية لمواجهة المحتوى المسيء الذي قد يؤثر على النسيج الاجتماعي والديني في البلاد.

ضرورة التفكير في سياسات جديدة لمراقبة الإنترنت

إذا كانت حادثة لشكر قد أثارت الكثير من الجدل، فإنها تفتح أيضًا المجال للتساؤل عن كيفية التعامل مع محتوى الإنترنت الذي قد يضر بالقيم المجتمعية، ربما حان الوقت لوضع آليات قانونية أكثر فاعلية لمراقبة ما يُنشر على الإنترنت، دون المساس بحرية التعبير. في عصر تتسارع فيه وتيرة التواصل الرقمي، أصبح من الضروري أن تتوافق السياسات القانونية مع المتغيرات الحديثة، مع ضمان احترام الحريات الفردية وحماية المقدسات في الوقت نفسه.

إن استخدام منصات التواصل الاجتماعي يجب أن يترافق مع وعي قانوني وجماعي، يسهم في تعزيز الحوار البناء ويحمي من استغلال هذا الفضاء لنشر الكراهية أو الإساءة للأديان والمعتقدات.



قراءة الخبر من المصدر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى